الخميس، 22 سبتمبر 2016

22

ها قد بلغت ال22 من عمري وقد ذهبت المراهقة وجنونها وبقي الإرهاق والتعب. لو نظرت إلى ال22 سنة الماضية في حياتي وأردت أن أختار اللحظة الفارقة في حياتي التي غيرت مجراها بشكل جذري لقلت دون تردد أنها الربيع العربي بامتياز. الربيع الذي كان على حين غرّة، رومانسيا عارما، وباعثا على الدهشة والأمل والألم. رافقت أحداث سيدي بوزيد والبوعزيزي رحمه الله منذ اللحظات الأولى متابعا على تويتر وهاشتاغ #SIDI_BOUZID التاريخي وقضيت الساعات الطوال أمام الجزيرة أتابع انتقال المظاهرات إلى القصرين ثم إضراب المحامين ثم مظاهرات العاصمة تونس، لم أكن أتصور أن أسمع المذيعة على المباشر تقول أن حاكما عربيا قرر مغادرة البلاد خوفا من ثورة شعبه. صوت الرجل الذي يصيح أن "هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية" وأخوه الذي يكسر حظر التجول وحظر الكلام الذي دام لعشرات السنين في تونس وهو يصرخ "بن علي هرب بن علي هرب" لن يمحى من الذاكرة ما حييت. قد يقضي الزهايمر على أجمل ذكرياتي مع من أحببت، ولكنه لن يقضي على التاريخ الذي شاهدته أمامي، المصري وائل غنيم وهو ينشر تلك التويتة معلنا أن التاريخ سيكون 25 يناير، معلنا انتقال المشعل من تونس إلى مصر. لذلك من المؤكد أنني لا أحب انحرافات وائل غنيم في مشهد 30 يونيو ومابعده والتيه الذي هو فيه الآن، لكنني لا أستطيع أن أكرهه أبدا وهو الذي كان أحد أوجه ثورة ال25 يناير الخالدة. أحب مصر بشعبها وثورتها ونكتها عبقريتها وأحمد خالد توفيقها، وذاك اليوم المشهود الذي تابعت فيه أحد أحرارها وهو يصعد أعلى سفارة الصهاينة لينزل عنها علمها الدنيء وسط دموع وفرح الجميع. مصر الفوضى والتقدم خطوة والعودة عشر خطوات إلى الوراء، مصر بأحداثها وإعلاناتها الدستورية اللامنتهية التي ترغمك على دراسة القانون الدستوري تارة لتفهم عما يتحدث القوم، وتارة تدفعك لدراسة شيء من الإقتصاد لتفهم لماذا يحدث قرض البنك الدولي كل هذا الفزع. كانت أحجار الدومينو متسارعة ومن خلالها نكتشف وطننا العربي وبقاعنا المسلمة، من ليبيا تحفظ أسماء طرابلس وسرت وبن غازي إلى اليمن وصنعاء وتعز وعدن إلى سوريا ودرعا وحماة وحلب وحمص وأريافها وغوطتها، لكل بلد حكايته ونظّارته التي تلبسها إذا أردت أن تفهم ما يجري هناك، لا يمكنك فهم ما يحدث في ليبيا واليمن إذا كنت تجهل القبائل الكبرى المكوّنة لهذا البلد، ولا يمكنك فهم أدنى ما يجري في سوريا إذا لم تكن تملك نظرة عن أبرز الفصائل الإسلامية الحديثة ورأيها في قضايا محورية كالحدود والجهاد وعلم الثورة، وفوق كل هذا، الجهة الخارجية الداعمة لهذا الطرف أو ذاك. ولا أنسى فلسطين، فقد كان من البديهيات بالنسبة لي أن كل هذا الحراك أوّلا وأخيرا كان يصدّ وجهه قِبَل فلسطين.
لقد دفنوا أحلامنا الشخصية، هكذا كانت ردة الفعل بعد الإنقلاب في مصر، لم يكن مجرد حدث عابر آخر أو خبر آخر في التلفاز، لقد كان الأمر شخصيا إلى أبعد حدّ. كيف لا وقد كانّا في شجار يومي مع كل من كان يتّهم ثورات الربيع بأنها من تدبير أمريكي صهيوني؟ ونحن الذين كنا نعقد عليها آمالنا لأحياء ما تبقى من حلم الوحدة؟ الصفعة الأولى وقد كانت الأشد ألما كانت رابعة، والثانية كانت فوز السبسي في انتخابات تونس. موجة من الردّة عصفت ببلادنا ولازلنا فيها، لكن الربيع لم يرسو بعد على شاطئ ولم يستقر على حال، ولابد لليل أن ينجلي، ولابد للقيد أن ينكسر، كما قال ابن تونس، ولعله أدرى، فمن عند أهله انطلق هذا كلّه. 
والجزائر بعيدا عن كل هذا، تراقب وتنظر غير مكترثة، لا مكان في قلوب الجزائريين لقطرة دم إضافية، ليس هنالك دمعة واحدة إضافية للبكاء على شهيد آخر! أكثر من قرن من العذاب، ثم عشرية سوداء، يمكنك أن تتفهم صديقك الذي لم يعد يأبه إن كان سيعيد السنة أم لا بعد أن أجرى عشرات الإمتحانات، لا طاقة له بقراءة حرف واحد إضافي. إمتلأ الكأس عن آخره، عد إليّ بعد عشر سنين وربما أنظر في الأمر! كأن الجزائر قالت. من الصعب أن لا ترى المشاكل كلها مسامير إذا كنت مطرقة، ومن الصعب أن لا تنظر إلى كل مشاكل الدنيا على أنها نتاج الإستبداد -بشكل أو بآخر- إذا كنت قد فتحت عينيك على الثورات العربية. 
وقد يضيق العُمر إلا ساعة *** وتضيق الدنيا إلا موضعا.

هناك تعليق واحد:

  1. يعجبني كثيرا اهتمامك بالوطن العربي عامة وليس الجزائر فقط ، لكني مؤمن بأن التغير يكون في أضيق دائرة ممكنة حولك ، حاول أن تنقص م متابعة الأخبار من حولك إهتم بدراستك أولا ، أنقذ نفسك ثم بعدها فكر في انقاذ الآخرين

    ردحذف