1
وسط المدينة، حيث تنشر السيّدات غسيلهن على أسطح العمارات، حيث الأغاني الشعبية لا تتوّقف، حيث المقاهي أسفل العمارات ممتلئة عن آخرها طول النهار، أناس سعداء يستمتعون بشرب القهوة وتجاذب أطراف الحديث طول اليوم؟؟ أم عاطلون مليئون بالهموم لا يجدون مكانا غير مقهى يجمعهم ويوفّر لهم حق إبداء الرأي ومقعدا مجانيّيْن؟ الأول وجهة نظر السلطة والثاني وجهة نظر الشعبي البسيط، والحق مختف بينهما.لقد مضى وقت طويل منذ آخر مرّة تجوّلت فيها في هذا الجزء من المدينة..على كل حال لا شيء يتغيّر هنا، نفس الخضّار العصبي، نفس بائع الملابس الذي يحتل الرصيف، لماذا عليه أن يقوم بكراء محلّ إذا كان يستطيع عرض بضاعته هنا؟ لماذا ينتظر أن يأتي المشترون إليه، إذا كان يستطيع أن الذهاب إليهم؟
نفس الطرق المهترئة، حسنا ربّما تغيّر بائع (المعدنوس) الصغير ذاك، فعلا إنّه يكبر سريعا.. شيئان يتغيران في هذه المدينة: "ماركات" سيارات الأغنياء الفاخرة، واسم "مير" البلدية، للأسف لا تتغيّر الممارسات ، فقط الأسماء.
يبدو أنّ أحدهم قد اشترى لابنه سيّارة رباعية الدفع بالميزانية المخصصة لإصلاح الرصيف، الآن سأصل إلى المقهى الذي ألتقي فيه عماد، وحذائي (المهترئ أصلا) متّسخ، لنأمل فقط أن ابن هذا المسؤول يملك رخصة سياقة حقيقية، ولم يشترها بالميزانية المخصصة للصرف الصحيّ، لا نريد المزيد من حوادث المرور.
أرجو الإنتباه، أرجو الإنتباه..
ما سأتحدث عنه في غاية الخطورة والجديّة، لا مكان للمزاح هنا،
محدثكم يدعى فؤاد، شاب في الرابعة والعشرين من العمر، طالب جامعي، تخصص صيدلة، أعرف عماد منذ سنوات، لم نعد نتحدّث كثيرا مؤخرا ولا أعرف صراحة ماذا يريد بدعوتي للحديث في المقهى، أصلا ما أعرفه أنه ليس رجل مقاهي،إنّه يكرهها، يستحسن أن يكون ما دعاني من أجله مهمّا و إلاّ، في الواقع لايهمّ..عصير بارد مجّاني يفي بالغرض وزيادة.
كما قلت ، أنا طالب صيدلة، أو هكذا يتّفقون على تسميتي، هل سمعت بتلك الشائعة التي تقول أن جامعة الصيدلة تخرّج أكبر مدمني المخدّرات في البلد؟ يمكنك القول أنني مثال يؤكّد صدقية تلك الشائعة، طبعا لم أولد هكذا، جميعنا نولد أبرياء نطيع أمّنا ونُقْسِم أن شعرنا كان أشقر و لون بشرتنا كانت بيضاء ناصعة عندما كنّا أطفالا.
لا أحد يولد مدمنا للمخدّرات، أنت تعرف التفاصيل، القصّة الكلاسيكيةّ، مراهق مجتهد، تصطدم بواقع الجامعة، لا جودة في الدروس و لا انضباط عند الطلاب ، الأغلبية الساحقة من الأساتذة مرتشون بالمال نقدا......وحسنا..القلّة الباقية من الاساتذة تقبل الدفع بالتقسيط!، وإدارة جامعيّة مهمّتها التنصّت على الطلبة و إعطاء تقارير دورية عن نشاطاتهم المشبوهة ، شهران للصدمة، 3 أشهر للتكيّف ، في الشهر الخامس تلتقي بأحد الطلاب القدامى، تبدأ في استهلاك مواد كيميائية تسرقها خلسة من مختبر التجارب في الجامعة، ثمّ..إبتسم: أنت مدمن مخدّرات،
دواء أم مخدّر؟ تختلف التسمية حسب كميّة الجرعة،
طفولتي عاديّة، وأقصد بعاديّة، أنني كجميع أصدقائي كُسِرتْ لي ساق أو ذراع أثناء لعبي لكرة القدم طوال الوقت، أحيانا تتوفّر كرة أحدنا و أحيانا كيس حليب مملوء بـ"الأشياء" تجعله -أي كيس الحليب- يشبه الكرة، وهات الكرة يا رونالدو. كنت وأصحابي نتعارك يوميّا كنوع من التسلية، جرّبت السجائر مع أحدهم و كجميع الأطفال نلت أشدّ العذاب من أبي بعد أن اكتشف ذلك من رائحة ملابسي، طبعا أبي مدخّن!، ولا يحقّ لك أن تسأل ذاك السؤال "الوقح" (لماذا مسموح لك يا أبي أن تدخّن بينما أعاقب أنا على ذلك؟) جرّبَ أخي سؤال أبي ذلك ، أعتقد أنه نال عقابا أكبر من الذي نلته أنا عندما اكتشف أنني دخّنت، كنت صغيرا وأحب أبي .. إنّه على حقّ دائما، الأب على حقّ دائما ولابدّ أنّ له حجّة وسببا مقنعيْن لتدخينه، سببا لا يمكن أن يدركه عقلي الصغير. كيف لهذا الشعب ذي العقل الصغير والخبرة المعدومة أن يجرؤ و يسائل حكومته عن سبب تدخينها؟ أصلا لو تأمّلت كلمة حكومة ستجد الكثير من "الحكمة"، لذلك يمكنك أن تنام مطمئنّا واثقا أنّ ضرائبك وأموالك كلّها تصب في شيء ما، شيء يفيد عائلتك، صحيح أن لا أحد يعرف تحديدا ما هذا الشيء، المهم أن عندهم "مكاتب" و"محاسبون" و"كمبيوترات"، كل هذه التجهيزات والبروتوكولات تقول أن لابد أنهم يقومون بأشياء كبيرة تعجز عقولنا المتواضعة عن فهمها، حتى إن كنا لا نرى أي شيء يتغير على أرض الواقع، وإيّاك أن تسأل حكومتك السؤال الذي كنت تتحرّج أن تسأله أباك "لماذا تدخّن"؟
------------------
الجزء الأول. رمضان كريم.
ويحك لوكان ما تكملش الجزء 2 .... ويحك
ردحذفبووم! وعاد الساحر...
ردحذفجميلة جدا
ردحذفكل مرة تطل علينا و أسلوبك و طريقة طرحك و فحواه أيضا يتطوران بشكل أُسِي .. أظن أنك تقرأ ست كتب لتكتب لنا بضع أسطر لهذا تركيز الإبداع راهو عال في هذه البقعة .
ردحذفThe level of awesomeness is too damn high
- ياسر