كالعادة الأخ "أنا" راكب في القطار متّجه إلى "لا يهم"...نظرت حولي.. الكثير من الوجوه، من سيكون فريستي اليوم؟ من سألتهمه اليوم في دماغي بالتفكير حول حياته؟ لحظة...هذه الفتاة، ما أجملها..فريسة مثالية! لا تتحمّسو كثيرا و لا تشغّلوا محرّك الأفكار الشريرة، عمر هذا الملاك لا يتجاوز الستة أشهر، كما أنها مع أبيها!
نظرة واحدة إلى عينيها تكفيانني لكي أغوص في ذاتي و في بحر الأفكار..هذه المرّة سألت نفسي سؤالا تدور حوله هذه التدوينة كلها: لو نزل أبو سوبرمان من كوكب كريبتون و بدل أن يعطي ابنه (أي سوبرمان) قوة خارقة، ماذا لو أعطى هذه الطفلة القدرة على فهم ماسأقول لها لمدّة نصف ساعة؟ .. السؤال : ماهي النصيحة التي سأقدمها لها والتي ستنفعها لبقية حياتها..في نصف ساعة؟
صغيرتي..كنت سأبدأ نصيحتي بـ(مقدمة-عرض-خاتمة) كما سيعلمونك في المدرسة ، لكن نصف ساعة لا تكفي، كما أنني لم أكن جيّدا في الإلتزام بأوامر المدرسة..
أيتها الصغيرة سأخبرك عن الواقع بدون زيف و لا تجميل للحقائق، سأخبرك أن والدك على الأرجح أجّل شراء سيّارة له فقط لأنّك تستهلكين الكثير من علب الحليب، هل تعلمين أنّك عندما تبدئين بالصراخ على الساعة الثالثة فجرا يتمنى أنّ تختفي من الوجود في رمشة عين؟ لكن لا تلوميه ..لقد عمل أمس طوال الليل في المصنع الذي لا يتوفّر على أدنى شروط النظافة و أمن ... من أجل أن يوفر لك لقمة العيش .. إنّه يحبّك يا ... لا أدري ما اسمك!
اعلمي أن المصنع الذي يعمل فيه أبوك لن يتردد في طرده لو تأخّر عن العمل ولو لدقائق، فكثيرون هم الشباب الذين يملؤون المقاهي و يعانون البطالة..يسيل لعابهم من أجل وظيفة أبيك و لو مقابل دراهم معدودة تكفي لدفع ثمن الشمّة و السجائر ..
حسنا .. سوف تدخلين المدرسة..ستتعرضين لعميلة غسل للدماغ، تحيّين العلم يوميّا و تستمعين لنشيد ستحفظينه قبل حفظك لأسماء الألوان. عندما تكبرين ستعتقدين أن الأمور ستتحسن .. أبشّرك بأن هذا لن يحصل ..ستكتشفين الفرق المهول بين مسلسلات سبايستون و بين الواقع المرير ، في الرسوم المتحرّكة : الشرير ملابسه وسخة ملوّثة و وجه قبيح و الطّيب يحافظ على هندامه و يلبس النظيف .. ستصطدمين بالواقع النقيض تماما .. في الواقع أصحاب "الكساتيم" و "ربطات العنق" هم الأشرار هنا ، سيملؤون دماغك بأن الأغنياء ليسوا بالضرورة أشرار ..صدّقيني أيتها الصغيرة: الأغنياء أشرار .. مهما أقنعوك بوسائل إعلامهم بغير ذلك .. من فضلك ، إنحازي للفقراء مثلي ، (بستتتتت .. لا بأس أن يمتلك الفقير بيتا و سيّارة و يذهب لحديقة الملاهي من وقت لآخر، أتحدث عن الغني الذي لا يعرف كم يملك في حسابه المصرفي ، لذلك انتبهي)
نعم ..تذكّرت هذه النصيحة مهمّة : بائع الملابس ... سيحاول دائما أن يقنعك بأنّه خاسر في صفقة شرائك لهذا الفستان أو ذاك الحذاء ، لا تصدقيه! دائما ناقشي السعر أكثر من مرّة ..
وماذا يجب أن تعرفيه أيضا..في الحقيقة ليس لدي الكثير لأخبرك ، لا أدري أزمانك سيكون أفضل من زماننا الآن أم ماذا، هل ستدعون أصحاب المال و السلطة يتحكمون فيكم رافعين شعارات الثورية و التاريخ و الجغرافيا و الرياضيات، كما فعلنا نحن؟
هل ستدعون محمد بابا نجار زمانكم يعاني و تتجاهلون قضيّته و تتركون عشيرته وحدها تدافع عنه و تتغنّون في أقرب مناسبة بـ"وحدة الوطن من الشمال إلى الجنوب" كما فعلنا نحن؟
هل ستكونون أكثر تمسّكا بدينكم؟
هل سيشجع الجميع عندكم شبيبة القبائل ؟ أم أنهم سيغيّرون الفريق حسب قائمة المتصدّرين؟
بالمناسبة: ماركا غزال ولاّ مازال؟ :)
هل سيكتب السيّد باسم عن معاناة صديقه عمّار مع المرض لا لشيء فقط لأن دولة زمانكم أدارت ظهرها لمن يعانون مثل حالته؟ ماذا عن الاوضاع العربية عندكم عندما تكبرين و تصبحين ذات 20 و 30 عاما؟هل ستبيعون أيضا قضيّة سوريا عصركم؟ هل ستكون زيارة يوسف لتونس هذه المرّة أفضل مما كتبه عنها في كتابه الأخير؟ أمّ أنها تحوّلت كما اشتهى البعض إلى عِراق جديد؟ كيف الأوضاع في مصر؟ تنحّى مبارك؟ أم ماتزال عقليّته تحكم البلد كحالنا اليوم؟هل توحّدت الأمّة العربية؟؟ أمّ مازال الإتفاق الذي وقّعت عليها الدول العربية "بإن لا يتّفقوا" ساري المفعول؟
أنت تضحكين؟ واصلي الضحك .. أعتقد النكات التي أقولها فعلا جيّدة!
هل ستعتصمين في ميدان تحريركم كلما حاول وغد ما إهدار كرامة مواطنيكم، أم أن شعارات الأمن و الإستقرار ستنطلي عليكم أيضا؟
يا ترى هل ستختفي طوابير الحليب و الخبز عندكم أم ستزيد كيلومترا إضافيّا ؟
أوووبس تذكّرت ... البترول ! عندما تكبرين سيقارب بترولكم على الإنتهاء ... إنتظري لحظة .. إنسي جميع ما قلته لك أعلاه! لقد نسيت أنك ستعيشين ما بعد البترول، آسف.. لا توجد نصيحة لذلك العصر!
ابنتي التي لم أحظ بها يوما: .. في الأخير نصيحتي هي: إذا جاء أبو سوبرمان و عرض عليك قوّة غامضة: إبدئي بالبكاء، و بلّلي حفاظاتك، و سأضمن لك أن أبا سوبرمان لن يعود لكوكب الأرض مجددا، و صدّقيني..لاتوجد نصيحة يمكنها أن تفيدك طول حياتك .. ستكتشفين ما يجب، في الوقت المناسب.
بعد لحظات ... بدأت الطفلة في البكاء!!!...ثم سمعت الأم تقول لزوجها: يبدو أنّ (فلّة) بلّلت حفّاظاتها!.
نظرتُ عبر النافذة و قلت بصوت انزعجت منه العجوز الجالسة بجنبي: تبّا لك أبا سوبرمان.
-----
مصدر الصورة
ههههههههه واش عندك في راسك
ردحذفلله يبارك مخايلة واسعة
حمّلنا الأجيال القادمة الكثير من مآسينا، نحن لا نفعل شيئا في يومنا سوى الأمل أن جيلا قادما سيغير هذا ويعيش أفضل، ربما فعلها أجيال قبل أن يأتي جيل الثورة، فأخروا الاستعمار قرونا و ها نحن نأخر الفساد قرونا..
ردحذفطبعا لم تكلم الفتاة عن الأيباد و التقنيات المستقبلية لأنها تغييرات يصنعها الآخرون فهي مضمونة السير للأمام، وحده ما يلمس حياتنا ما يسير للخلف أو يصعد للأسفل أو يراوح مكانه في أحسن الأحوال.
اعتذر من البنت لتقصيرنا ثم اقتل أبا سوبرمان قبل أن يخرج، دعها تعيش بعض فرحة البراءة...
أحببت مقالك لأنه أتى من غير جيلي..
والله يعطيك الصحة
ردحذفأعجبني مآ قرأت !
ردحذفأنتَ عقلية مفكرة ورآئعة /*
مدونتك تستحق القرآءة لجمآل الأسلوب المطروح فيهآ ()
أهنئك =)
لروحك ، كل الودْ .~
أعجبتني كثيرا نصيحة أن في المدرسة سيكون هناك غسيل للمخ ...لو كنت عرفت ذلك قبل الدخول للمدرسة لكانت أشياء كثيرة اختلفت.... لكن كون الأغنياء أشرار أنا مازلت أفكر في الموضوع ولم أصل إلى خلاصة ... أكيد معظمهم لا يحس بالناس ولكن هذا يقلقني في حد ذاته على الطبيعة البشرية ...أنحن بهذه الدرجة من الإنحطاط حيث اننا -بلا إستثناء معتبر- إذا ما وضعنا في إمتحان الغنى نفشل في إختبارات المروؤة و الشهامة و الكرم و مساعدة الغير ؟.... ربما ...لا أدري
ردحذفقصة معبرة بارك الله فيك
ردحذف