الأربعاء، 21 سبتمبر 2011

تدوينة عملاقة :)

من قال أننا نحتاج إلى استنشاق روائح زكيّة ، لكي نكتب أشياء جميلة؟ أشياء صريحة؟ أشياء حقيقية؟

أجلس الآن في شرفة غرفتي قبل منتصف الليل بقليل، و هناك رائحة كريهة تعمّ الجو .. لكن لا يهم:
لكل واحد منّا في هذه الدنيا الكبيرة الطويلة الجميلة.. قصّة، و في هذا الجو الغير رومانسي بتاتا سأحكي شيئا من قصّتي، سأحكي الأمور كما هي، حتى لو لم تكن مثالية، حتى لو كانت محبطة، فالحقيقة لا تعني المثالية، و البطيخ لا يعني الدلاّع، و مصر ليست تونس، و سوريا ليست ليبيا :)
لنعد إلى سنوات الطفولة: أتذكر أنني كنت مغرما بالرسوم المتحركة العربية، أتذكّر أيضا أنني دخلت إلى المسجد للتعلم قبل المدرسة، أستغرب إلى الآن كيف حفظت سورة البروج و سورة الأعلى رغم أني لا أتقن القراءة و الكتابة!
أتذكر في السنة التحضيرية (قبل الأولى ابتدائي) كنت دائما أبدأ اليوم الدراسي بقراءة لآيات من سورة الأعلى بطلب من المعلمة الرائعة :) أتذكر أيضا في تلك السنة أشياء غريبة مثلا: كنت أسرق الأدوات المدرسية من مقلمة إحدى الفتيات، كانت تجلس معي في نفس الطاولة و كانت الحدود بيننا مفتوحة: يعني أدواتي هي أدواتها و أقلامها هي أقلامي، وبما أنني لا أملك أقلاما، فقد كنت أسرق منها ما أريده :(
لا أتذكر انني شاهدت أحدا يسرق أمامي في صغري و لا أدري من أين اكتسبت تلك العادة السيئة، لكن الحمد لله أنها لم تكبر معي :)
أتذكر في السنة الأولى،الثانية، و الثالثة من التعليم الإبتدائي أني كنت من المتفوقين لكن دائما في المرتبة الثانية بعد تلميذة تدعى ر ، كنت دائما مستغربا: لماذا تتفوّق عليّ بنت؟؟ عيب! طبعا في صغري كان المنطق أن الأولاد يجب دائما أن يتفوقوا على البنات في كل شيئ، حتى أتفه الأشياء كالطول و الوزن، و كنّا نسخر من بعضنا ببراءة: عيب! فلانة أطول من فلان هاهاها، فلانة أقصر من فلان هاهاها، فلانة فاتت فلان في السباق في حصّة الرياضة هاها.
في السنة الثانية بكيت ذات يوم داخل القسم، إن لم تخنني الذاكرة فقد كانت آخر مرّة و السبب هو أن المعلّمة سألتنا من الكتاب أسئلة مرتّبة ، سألت السؤال الأوّل ثم انتقلت مباشرة إلى السؤال الثالث، أخبرتها أنها نسيت السؤال الثاني، فصمتت، أعدت السؤال فتجاهلتني، أعدت السؤال للمرة الثالثة فصفعتني صفعة قويّة! كرهت ذلك التصرف من تلك المعلمة و لازلت أذكر تفاصيل الواقعة إلى الآن، طبعا الصفعة لا تؤلمني الآن :) أريد بشدّة أن أعرف ماهو ذاك السؤال الثاني اللعين :/

يبدو انني بدأت التعود على الرائحة الكريهة في الشرفة :) الله يعين 

في السنة الثالثة و في أحد أيام الاربعاء من شهر ماي حدث زلزال بومرداس، لقد اثرت تلك الواقعة كثيرا في مجرى حياتي: فقدت صديقي طارق و بتنا أشهرا ساكنين في الرصيف داخل خيمة صغيرة،
لكن أتذكر... نحن -معشر الصغار- كنا سعداء، كنا نتغدّى و نتعشّى بالحلويّات التي كان يحضرها المتبرّعون من كل أنحاء الوطن -بارك الله فيهم جميعا- :)، كانت هنالك مشاكل طبعا في استخدام المرحاض مثلا لكن كان للزلزال جانب إيجابي أيضا، انتهت السنة الدراسية مبكّرا يا رجل!
بعد زلزال بومرداس انتقلنا من ولاية بومرداس إلى ولاية أخرى بحكم عمل والدي، هناك تعرفت على ثقافة و نمط حياة مختلف قليلا، لكن للأسف تلك الولاية ..بعيدة عن البحر :(
في ولايتنا الجديدة أمضينا 5 سنوات مليئة بالأحداث ، تعرفت على أصحاب حقيقيين، واصلت تفوّقي في الدراسة لكن ما سأندم عليه لاحقاهو أنني لم أحفظ القرءان الكريم، لقد توفّرت الظروف و الشروط المساعدة لذلك لكنني لم أفعل، ربما سأجد تبريرات تافهة مثل: لقد كنت صغيرا في السن غير ناضج -كان عمري 10 سنوات- وكانت الإغراءات كثيرة -كرة القدم، الرسوم المتحركة-، لكن هنالك رفاق لي بدؤوا الحفظ معي و هم الآن ما شاء الله يحفظون الستين حزبا، أما أنا فقد توقّفت عند 11 حزبا، و ربما نسيتها الآن. أنا أقرّ لك يا ربّي بأنني قصّرت و لا أملك أي عذر لعدم حفظي للقرآن الكريم و أسألك المغفرة، آمين. إن شاء الله مازال في العمر بقية و سنرجع لحفظ القرآن :)
---------
درست في تلك الولاية 3 سنوات في الإبتدائية و سنتين في المتوسّطة كنت و الحمد لله متفوّقا فيها أتذكر أنّي تحصلت على المرتبة الثالثة على مستوى الولاية في الشهادة التعليم الإبتدائي :) كانت سنة جميلة.
أتذكر أيضا أن النصوص التي كنت أكتبها في مادة التعبير كانت "تبهر" بمعنى الكلمة المعلّمين، كانت معلمتي تأخذ أوراقي و كتاباتي و تريها المعلمين الآخرين و تفتخر :)
أيضا أتذكر مشاركتنا في مسابقة فكرية بين المدارس الإبتدائية، هزمنا جميع المدارس، و وصلنا المباراة النهائية، و خسرنا ... بسببي ربما.

بعد 5 سنوات في تلك الولاية ، عدنا إلى مدينتنا الأصلية، و هناك كنت "التلميذ الجديد" في الإكمالية، أعتقد أن شيئا من الحس الفكاهي الذي أتمتع به قد ساعدني على الإندماج سريعا.
-----------
في السنة الرابعة متوسّط، أي في سنّ الـ15 ، سن المراهقة، عليك أن تضع عقلك جانبا فهو لن يفيدك في شيئ ، و تستسلم للجنون! الجنون سيقودك شئت أم ابيت، الجنون سيقودك، سيجرحك ربّما، ستتأذّى، ستستخر من نفسك عندما تكبر، ستندم قليلا، ستبتسم كلّما تذكّرت ما فعل بك الجنون في تلك الأيّام، لكن ستفرح لأنّك جرّبت شيئا فريدا (إذا لم تفهم معنى الجنون، فأنا بريئ! ولا حاجة للشرح أكثر)، في سنة الجنون التي هي سنة شهادة التعليم المتوسط BEM ، تحصلت على المرتبة الأولى في الإكمالية، ذهل الجميع فـ: كيف للمجنون أن يكون الأول، في اليوم الذي عرضت فيه النتائج،، كان يوما.... لِنَقُلْ "شديد الجنون".
اهدتني البلدية بمناسبة تحصلي على المرتبة الاولى حاسوبا، هو الذي أدوّن لكم من خلاله الآن، كم أحبّه!
السنة الأولى من الثانوية مرّت بسرعة، أحاول أن أغتنم هذه الفترة من حياتي أحسن استغلال :)
--------
--------
أشياء أخرى:
- من بين الأمور التي صدمتني عندما دخلت عالم الأنترنت هو الصراعات بين الطوائف و المذاهب الإسلامية، أنا الساذج الذي كنت أعتقد أنّ الإسلام هو: التوحيد و الشهادتان و الصلاة و الزكاة و الحج و العمرة و الصدق و العدل و المسامحة و النظافة، اصطدمت بعباد يرون الإسلام أشاعرة و صوفية و سلفية و حكم بناء المقابر في المساجد و حكم الغناء و حلق اللحية و اسبال الثوب و...و..و...؟؟؟
-أتمنى أن أواضب على المطالعة و أن استفيد مما أقرؤه بقدر الإستطاعة،
-الأنترنت مكان رائع: في السابق كنت لا أفهم الكثير من الاشياء المبهمة..كمثال: لماذا علينا ان نكره هؤلاء اليهود؟ أليسو بشرا مثلنا؟ ماذا يفعل هؤلاء الفلسطينيون الـ(ضعفاء)؟ لماذا لا يدافعون عن أرضهم؟ الأنترنت أعطتني الكثير من الأجوبة و مازلت  أبحث، الأنترنت هي أفضل شخصية في قارّة أفريقيا :)
-أتمنى أن أستطيع المحافظة على شعائر الإسلام في حياتي المستقبلية و أهمها الصلوات الخمس في المسجد، لم تبقى لنا إلا الصلاة فلنتشبّث بها.
-لا أعلم ما هو التخصص الجامعي الذي سأختاره مستقبلا، أحب الرسم كثيرا و سأطوّر من نفسي فيه، لا اُجيد الرقص و لا أنوي تعلّمه (على الأقل حاليّا)، و لقد سامحت تلك المعلّمة التي صفعتني :)
-يبدو ان الكتابة مع الرائحة الكريهة ينشّط الذاكرة :)
-عيد ميلاد سعيد لي، أنا اليوم 17 سنة :)


هناك 10 تعليقات:

  1. السلام عليكم

    أخي عبدوا you ll never cease impressing me على صغر سنك

    بارك الله فيك و لك و عليك

    أردت أن أنبه أخي العزيز بأن يتجنب رسم ذوات الأرواح لما في ذلك من الوعيد الشديد ، طيب أضف ذلك إلى القائمة في الأعلى :) لكن تبقى هذه أحكاما شرعية لابد من الالتزام بها
    أنت اليوم عبدو و لست 17 D: غير أنه مضى من عمرك 17 عاما.
    وفقك الله لما فيه الخير

    ردحذف
  2. @محمد من المغرب :
    :^)

    @غير معرف :
    أشكرك سيّدي، أخجلتنا :) و شكرا جدّا على النصيحة الغالية

    ردحذف
  3. جميل ما قرأت و الأجمل حسك المرهف ، رسمت على وجهي ابتسامة عريضة ، أدخلت إلى نفسي البهجة و السرور أيها الشاب الذي يمتلأ حماسا و ابداعا.
    لا تدع اليأس يتسرب إليك ، أراك كبيرا فكن كما أنت و احبوا نحو ذلك الحلم ,,, إتبعه فهو من يجعل الناس عظاما ،

    دمت مبدعا ...

    ردحذف
  4. أتمنى لك كل التوفيق :)

    الخبرة لا تقاس بعدد السنون التي نمضيها على البسيطة، لا أؤمن بالمثل القائل "لي فايتك بليلة فايتك بحيلة"، لكني مؤمنة إن واصلت على ما أنت عليه، ستكون ذا شأن مستقبلا

    ردحذف
  5. ليست تدوينة عملاقة بحسب ، بل ذات معنى و مغزى كبيرين
    ذكرتني بايام طفولتي و دراستي الإبتدائية و المتوسطة
    لم ترسم فقط ابتسامة كبيرة على وجهي ، بل و انرته
    و انعشت ذاكرتي

    بوركت و وفقك الله في حياتك

    ردحذف
  6. كل عام وأنت بألف خير، وفقك الله، بحق أنت عبقري وكاتب رائع (مع العلم أن هذه أول مرة أدخل مدونتك وأقرأ أيا من مواضيعك)! ملاحظة: هذه ليست تدوينة عملاقة، إنها "الـ" تدوينة العملاقة... بوركت وإلى الامام :)

    ردحذف
  7. أذهلتني يا أخي، فأسلوبك ممتع بحق، ستجعلني به مدمنا على القراءة لك، فكرك راق جدا، ولك مستقبل زاهر بإذن الله.
    مقالتك هذه أسميها "التدوينة العملاقة" بدل تدوينة عملاقة وأنت تعلم أثر ألف ولام التعريف!

    شكرا لك من أعماق القلب.

    ردحذف
  8. أحاول اليوم التعليق فلا أستطيع..
    فقد أخبرتك يوم لقائنا في المعرض أنني قرأت جزءا من هذه التدوينة ثم تركتها لا أدري لأي سبب..
    ليتني علقت في ذلك اليوم..
    لأنني بعدما عرفتك فاسافاس صعب علي التعليق، من شدة الاحترام الذي أصبحت أكنه لك والذي جعلني أهديك كرسي الغداء..
    لن أعلق عن التدوينة العملاقة إذن

    ردحذف
  9. وكم هي عملاقة يا اخ العرب
    رائعة

    ردحذف